لم تكن لفتة أو نكتة طريفة تلك التى أطلقها خالد بدوى، وزير قطاع الأعمال العام،
متحدثا عن أنه شاهد ماكينات فى أحد مصانع الغزل والنسيج التابعة للشركة القابضة للغزل
والنسيج التابعة للوزارة يعود تاريخها إلى عام 1878 وما زالت تعمل، وقال: قلت لهم ان
مكانها الطبيعى المتحف لا المصنع.
حديث الوزير العفوى عن تقادم المعدات التى ما زال اغلب مصانع قطاع الأعمال
العام يعتمد عليها هى بحق واحدة من أكبر مشكلات القطاع وسبب رئيسى فى تدهوره وتراجع
إنتاجيته وتأخره عما حوله من مصانع قطاع خاص تتسابق فى البحث عن التكنولوجيا الحديثة
للإنتاج واستقدامها.
ماكينة الغزل والنسيج التى تحدث عنها الوزير يعود تاريخ صناعتها إلى عام
1878 بمعنى آخر إنها من إنتاج القرن التاسع عشر الميلادى، ونحن فى القرن الحادى والعشرين،
أى يفصلنا عنها زمنيا قرنان جرى ما جرى خلالهما من تحديث فى كل مناحى الحياة لكن يبدو
ان هذا لم يصل إلى مصانعنا التابعة للدولة.
ماكينة الغزل والنسيج ليست وحدها التى تستحق الوضع فى متحف، بل يجب
أن يكون إلى جوارها معدات وآلات وماكينات
اغلب المصانع التابعة للقطاع. ونظرة عامة على اثر تقادم تلك المعدات على احوال الشركات
تكشف بسهولة مسئوليتها عن خسائر كبيرة ومآسٍ عديدة وتراجع طال العديد من الصناعات التى
كانت رائدة،ثم تقهقرت للخلف.
اغلب مصانع القطاع العام اما انها جرى تأميمها منذ 1956 وبالتالى معداتها تسبق
هذا التاريخ، وبعضها يعود إلى أيام الاقتصادى العظيم طلعت حرب وقت إنشاء صناعات مصرية
عن طريق بنك مصر، أما الحديث منها فيعود تاريخه إلى الإنشاءات التى تبناها الرئيس جمال
عبدالناصر منذ 1960.
وخير مثال لذلك معدات شركة الحديد والصلب المصرية، حيث بدأت الشركة فى العمل
عام 1958 بتكنولوجيا ألمانية تعود إلى بدايات القرن العشرين، ثم تطورت فى الستينات
والسبعينات بتكنولوجيا روسية تعود إلى حقبة الثلاثينات ووفقاً لبيان رسمى من الشركة
فإن هذه الآلات تحتاج إلى عمالة كثيفة العدد وبعد نحو خمسين عاماً أصبح العديد من المصانع
فى حاجة إلى الإحلال والتجديد والتطوير مثل وحدات التلبيد والأفران ووحدات صب المربعات
ومعدات ونظم التحكم فى الخطوط الإنتاجية ومعدات المسابك وورش تصنيع قطع الغيار والصيانة
وخطوط السكك الحديدية وخطوط السيور. وفى العديد من الشركات يسبب تقادم المعدات خسائر
كبيرة، ففضلا عن انخفاض إنتاجية الآلات القديمة وعدم جودة الإنتاج النهائى لها بشكل
عام هناك أزمة أخرى وهى الخسائر الناجمة عن استخدام المعدات القديمة بعد ان تسببت
فى ارتفاع نسبة استهلاك الغاز بسبب زيادة نسبة الفاقد أثناء التصنيع، كما يحدث
فى شركات الأسمدة بصفة خاصة، حيث ذكر احدث تقرير من شركة الدلتا للأسمدة ان تقادم المعدات
كان سببا فى الخسائر التى منيت بها الشركة لأن طن السماد يحتاج إلى 3 أقدام مكعبة من
الغاز وللأسف الفاقد بسبب تهالك الماكينات يرفع الاحتياجات إلى 5 أقدام من الغاز لطن
السماد، ومع ارتفاع أسعار الغاز ترتفع تكلفة الإنتاج، حيث إن الغاز فى حالة شركات السماد
ليس فقط مصدراً للطاقة ولكنه أحد مستلزمات الإنتاج. نفس الأمر تكرر فى الشركة القومية
للأسمنت، حيث إن مشاكل الشركة بدأت بسبب تقادم المعدات وتأخر عمليات الإحلال والتجديد
وارتفاع تكلفة التحديث للخطوط التى تمت وللأسف كان ذلك سبباً فى ارتفاع نسبة الفاقد
فى الطاقة، ومعه تضاعفت مديونيات الشركة للغاز والكهرباء وأدت إلى الوضع الحالى للشركة
من شطب أسهمها فى البورصة، وتقف المصنع، وقرار نقل المصنع إلى المنيا.
أما السبب فى غياب التطوير والتحديث للمعدات والآلات التى تعمل فى شركات ومصانع
قطاع الأعمال العام فيعود بالدرجة الأولى إلى قرار وقف ضخ استثمارات فى شركات قطاع
الأعمال العام الذى اتخذ عام 1991 مع بدء أول برنامج للخصخصة وقتها، ورغم التعثر الذى
حدث للبرنامج استمر قرار وقف ضخ استثمارات فى الشركات والمصانع لفترة كانت كافية بإهلاك
معدات كثيرة وتراجع كفاءتها، وعندما اوقف البرنامج وعاد الحديث عن ضرورة تحديث الآلات
والمعدات والتطوير للشركات كان للأسف كثير من الأمور قد تغيرت وارتفعت الأسعار بصورة
جعلت دراسات تطوير المصانع تتغير لأكثر من مرة لتحديث التكلفة الاستثمارية وفقًا للأسعار
الجديدة مما ألقى بالعبء على الشركات وأخر قرارات التطوير أكثر
نقلا عن الوفد -حنان عثمان
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق